Monday, May 21, 2012

لماذا أعطيت صوتي لأبي الفتوح!!

كان القرار غاية في الصعوبة ولكنني حسمت أمري بعد انتخابات مجلس الشعب. كنت أنتظر اكتمال خريطة المرشحين وقد اكتملت في تقديري بعد شهرين من تحديد موعد تسليم السلطة (ان جاز هذا التعبير). لقد فرغ منصب رئيس الجمهورية منذ أكثر من عام والقاصي والداني يعلم أن منصب الرئيس محوري في مصر لأسباب تاريخية وثقافية، وحيث أن مبارك لم يسمح للرموز الوطنية بالظهور حتى يتعرف عليهم الشعب ومن ظهر منهم مثل البرادعي تم حرقه بشكل ممنهج. هذا فضلاً عن أن الفراغ السياسي يعطي الفرصة للنظام القديم في عرض نفسه كبديل وحيد للسلطة، كان لزاما على كل من يرى في نفسه الصلاحية أن يقدم نفسه للشعب بسرعة حتى يمتلئ الفراغ وكان زيادة عدد المرشحين مهماً حتى يستقر في عقول الناس أن هناك بدائل عدة. فمن غابت عنه هذه الحقائق فلا استبعدته، ولكنني استثنيت مرشحو الأحزاب الفاعلة (مرشحون من الأحزاب وليس مستقلون تؤيدهم أحزاب) وذلك أنها على الساحة بالفعل وعلى اتصال بالناس. عند اتخاذي للقرار وضعت في اعتباري أن الإخوان سيرشحون أحدهم. واستقر قراري على أبي الفتوح للأسباب الآتية.

١- الرؤية السياسية الثاقبة:

تظهر هذه الموهبة في قراراته منذ أن كان طالباً. فقراره بالانضمام للإخوان وحشد الجماعة الإسلامية التي ساهم في تأسيسها للإنضمام جماعياً وليس فرادى عصم الكثير من الشباب من الوقوع في التطرف والعنف كما أن الانضمام الجماعي أعطى هؤلاء الشباب زخما داخل الإخوان.
ثم تبنى فكرة دخول الإخوان في تحالفات حزبية ثم في العمل النقابي لإثبات أن الجماعة تتبنى التغيير السلمي ولاكتساب شرعية شعبية بعد أن حرمهم النظام الشرعية القانونية.
رفض اتخاذ موقف من حزب الوسط الذي تشكل أثناء سجنه على الرغم من اقتناعه بفكرتهم إلا أنه علم أن الواقع السياسي لن يسمح بتشكيل حزب الوسط وأن الخروج من الجماعة لن يؤدي إلا إلى الوقوع تحت حصار النظام في وقت كانت جماعة الإخوان الوسيلة الأكثر فاعلية لخدمة الوطن. ونتج عن ذلك أنه في خلال السنوات الماضية كان يعمل في العمل العام ويؤثر في الكثير من شباب الإخوان ويتحاور مع التيارات الفكرية المختلفة في حين كان نشاط حزب الوسط قاصرا على التحاور مع عناصر الجماعة الوطنية المختلفة والانضمام لحركة كفاية.
في ٢٠٠٥ اقترح على الإخوان دخول انتخابات مجلس الشعب في تحالف مع بقية المعارضة على جميع مقاعد مجلس الشعب وتحدي كل رموز النظام وعندها يضطر النظام للتزوير المباشر رغم أنف القضاة والاعتداء على كل الجماعة الوطنية فيقود التحالف مظاهرات في كل أنحاء مصر تؤدي للاعتصام مدني. اعتبر الإخوان هذا الرأي تعريضا للجماعة لمخاطرة كبيرة وبدلا من ذلك تفاوض الشاطر ومرسي مع النظام على ترشيح ١٥٠ فقط وعدم تحدي رموز النظام في مقابل نزاهة الانتخابات، التي لم يلتزم بها النظام في المرحلة الثالثة من الانتخابات. كانت الظروف مهيئة لقيام ثورة واستطاع أن يقرأ المشهد بوضوح ولكن لم يجد التأييد المطلوب.
تبين أن الإخوان بدخولهم الانتخابات أثبتوا سلمية منهجهم وحققوا الشرعية الشعبية ولكنهم تخطوا ذلك إلى المناورة الحزبية التي حذر منها البنا عندما عارض تشكيل ودخول الأحزاب. عندها اتخذ موقف وجوب الفصل بين الحزبي والدعوي وبما أن الانتخابات والبرلمان أضحوكة فطالب بمقاطعتهما على أن تظل الجماعة تعمل في السياسة مطالبة بالحريات والحقوق المدنية ورفع الظلم عن الناس وأعلن هذا الموقف في عام ٢٠٠٧.
بعد الثورة قدم اقتراحا للإخوان بفصل العمل الدعوي عن الحزبي لأنه قال أن التنافس الحزبي له حسابات قد تدعو للموائمة وأن الجماعة يجب عليها أن تتخذ مواقفها من منطلق أخلاقي لا حزبي. ومن هذا المنطلق وافق على عدم ترشيح الجماعة لأحد أعضائها للرئاسة تطبيقا للفصل بين الوظيفة الدعوية والعمل السياسي التنافسي.
تنبأ عندما رشح نفسه للرئاسة بعدم وجود مرشح يقبله المصريون ويستطيع التوافق مع التيارات المختلفة ويستطيع التواصل مع الناس، وقد كان، فلم يظهر على الساحة إلا من ظهر في الشهور الأولى.
رفض مبدأ الاستفتاء لعدم ملاءمته للظروف ولكنه صوت بنعم لأنه تبين أن الجماعة الوطنية غير متماسكة وأنه يجب وضع خارطة طريق في ظل عدم وجود إرادة سياسية للمضي قدما وقد أصبحت خارطة الطريق هي سلاح الجماعة الوطنية للضغط على العسكر كلما ماطل في عقد الانتخابات.

٢- إيمان راسخ بالمواطنة ودولة القانون:

كان أبو الفتوح أول من رد على مصطفى مشهور عندما قال أن على الأقباط دفع الجزية وكان ذلك في التسعينات ورفض ذلك رفضا تاما وقرر قبل الثورة حق المرأة والقبطي في تولي رئاسة الجمهورية وهو لا يتعثر أو يتردد عندما يتحدث في الموضوع. كما أنه انتقد علنا مشروع الإخوان الذي انتقص من هذه الحقوق.
هو يرفض أي شرعية إلا الشرعية الدستورية ومؤسساتها ويحث جماعة الإخوان وغيرها قبل وبعد الثورة على اكتساب الشرعية القانونية ورغم أنه كان يتفهم الظروف قبل الثورة إلا أنه كان يريد للجماعة إعادة تنظيم نفسها بحيث تستطيع العمل كجمعية دينية وحزب سياسي كل منهما مستقل عن الآخر.
يعتبر مواطنته هي انتماءه الأول ويعتبر الإسلام مصدر لمبادئه الشخصية ولا يعتبر أيهما سابق على الآخر ولا يعتبر أن أي كيان لا ترتبط معه مصر بشكل قانوني يجب أن يكون له أي تأثير على سياسة الدولة. فعلاقة مصر مع محيطها العربي والإفريقي والإسلامي يحكمها الاتفاقات الدولية وأي تعاون مشترك أو مشروع وحدة يجب أن يحقق مصلحة استراتيچية لمصر وإلا فإن الوقت غير مناسب لمثل هذا التعاون.

٣- الخبرة بالسياسية الخارجية:

عمله في مجال الإغاثة وفر له خبرة سياسية خارجية واسعة. لقد اقتحم مناطق الصراع في غزة والبوسنة وجنوب السودان والعراق وظلت لجنة الإغاثة بعيدة عن تهمة الإرهاب في الشرق والغرب. إن تواصله مع المنظمات الأهلية في الدول الأخرى والحكومات وفر للجنة الإغاثة ثقة عالمية استطاعت بها خدمة المتضررين إلى يومنا هذا. هذا فضلا عن تكوينه علاقات دولية عديدة أبرزها الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا. إن أبو الفتوح معروف عربياً و عالميا في دوائر صنع القرار هذا فضلاً عن أن الربيع العربي أتى بقيادات تربطه بها علاقات صداقة مثل رئيس جمهورية تونس الحالي.

٤- المواقف الوسطية الثابتة:

ولا أعني بالثبات الجمود فالحمار وحده هو من لا يتغير بتغير الزمان والظروف. ولكن السؤال هو ما اتجاه التغيير؟ هل هو تراجع عن مبادئه؟ هل هي الموائمة لتحقيق مكاسب سياسية؟ أم أنه تطور فكري في اتجاه واحد وبشكل ثابت؟ هذا هو الثبات الحقيقي. ان حياة أبو الفتوح من شبابه حتى الآن قصة تطور فكري في اتجاه الاعتدال والوسطية وقبول الآخر. وهذا التطور ثابت ولا يتزحزح إلى الخلف أبدا. وأتحدى أن تجد لأبو الفتوح تصريحا أو موقفا أكثر تشددا بعد موقف معتدل. فكيف نطالب مجتمعنا بالحوار الهادئ مع المخالفين حتى نفهم بعضنا البعض ونطور فكرنا ونتقبل غيرنا ثم نعيب على من يتطور في اتجاه الانفتاح والاعتدال والوسطية بل و يجذب معه المئات والآلاف ولا يرتد أبداً.

٥- الشفافية:

كما يقولون "وشه زي قفاه". فما يشعر به ويؤمن به يقوله بدون مواربة ولكن الرجل مهذب فيكون وقع كلامه أرفق من محتواه. فلم يجرب على أبو الفتوح إخفاء أفكاره لأي سبب فقد كان دائم التصريح بما يعتقده وإن جر عليه المتاعب. أبو الفتوح هو المرشح الوحيد الذي نشر سيرته الفكرية والتي تكشف بصراحة شديدة للجميع طريقة تفكيره وتطوره الفكري دون مواربة.

٦- الإخلاص للفكرة:

واجه أبو الفتوح عدة أسئلة عن أمور تثير اللغط أشهرها مسألة البيعة وكان الأوفق أن يجيب موضحا موقفه الشخصي وهو ما كان ينتظره المشاهد ولكنه بدلا من ذلك ظل يدافع عن فكرته التي دافع عنها لسنوات طويلة مواجهاً تأثير فكر الجهاز الخاص على جماعة الإخوان. إن مثل هذا الموقف وغيره يوضح لي أن عين الرجل ليست على الكرسي بقدر ما هي على تحقيق أفكار ومشاريع.

٧- التصالح:

تصالح بين التدين والليبرالية فعلى الرغم من أنه ليس ليبرالياً بالمعنى الدقيق للكلمة إلا أنه متصالح معها وبتدينه يستطيع أن يعمم روح المصالحة بين المتدينين والليبراليين.
وتصالح بين الإسلاميين وسائر المجتمع، فعلى الرغم من أن المجتمع يميل انتخابيا للتيار الإسلامي إلا أن الإسلاميين منعزلون عن التيار الرئيسي المصري. أبو الفتوح يفتح المجال لمن يريد الانفتاح على المجتمع وقبول شروط هذا الانفتاح من احترام الآخر من تحقيق ذلك.
وتصالح بين الشريعة والمواطنة فمشروعه هو أول تطبيق عملي يعتبر أن الشريعة مطبقة بالفعل وأن الأزهر هو مرجعية الفهم والبرلمان هو مرجعية التشريع دون وصاية من أحد وأن جميع المواطنين سواسية سواء آمنوا أن الشريعة سماوية أو أرضية.
وتصالح بين الناصرية والتيار الإسلامي فهو يقر بمنجزات عبد الناصر وينتقد أخطاؤه دون مرارة موروثة من آثار اضطهاد الإسلاميين. ولهذا التصالح أهمية لأن الحقبة الناصرية جزء لا يتجزأ من تاريخنا ولأن الكثير من المواطنين يدينون لإصلاحات عبد الناصر بالفضل في التعليم وتملك الأرض واستقرار السكن.
وهو أيضاً تصالح بين الفن والتدين كما سأبين لاحقاً

٨- القدرة على إيجاد القاسم المشترك:

يجد القواسم المشتركة بين الجميع بشكل طبيعي وتلقائي دون تقديم أي تنازلات فكرية. ويتضح ذلك في طاقم عمله وواضعي برنامجه ومؤيديه. كما أن عمله في اتحاد الأطباء العرب شاهد على ذلك.

٩- برنامجه:

أكثر ما أعجبني في برنامجه هو مبدأ الديمقراطية التشاركية وهذا يدل على وعي بمشاكل الديمقراطية الحديثة التي تجعل الحكم حكرا على الصفوة وأصحاب رأس المال. كما أعجبني التركيز على العدالة الاجتماعية والحريات بشكل مميز.

١٠- إيمانه بحرية الفكر والإبداع:

إن زيارته لنجيب محفوظ وتشجيعه على نشر رواية أولاد حارتنا له دلالات تميزه عن سائر المرشحين. فهو يفهم معنى الإبداع والحرية اللازمة للتعبير كما أنه يفهم أهمية الفن في بناء الحضارة والرقي. وهو أيضاً محافظ متدين لا يرضى أن يستخدم الفن والإبداع كوسيلة لتحدي قيم المجتمع. ولذلك طرح أن يضع الفنانون أنفسهم ضوابط عملهم. وعلى الرغم من أن هذا الموقف غير ليبرالي إلا أنه الموقف الأكثر ليبرالية الذي يمكن للمصريين قبوله. أما غيره من المرشحين اكتفوا بالكلام الفضفاض دون مواقف تثبت كلامهم وأظنهم إما أن يفسروا كلامهم بشكل يخرجه من مضمونه أو أنهم سيستخدمون الملف للتفاوض مع التيارات المحافظة. وأنا متأكد أن أبو الفتوح لن يفعل أيهما لما له من مواقف سابقة.

١١- قدرته على القيادة:

أن يبدأ بعدد قليل من الأفراد وموارد قليلة جداً ثم تتسع حملته لتشمل جميع محافظات مصر بشكل منظم ودقيق وأن يشرح فكرته لهذا الشباب فيصبحون قادرين على توصيلها للآلاف، إنها لقيادة قوية. فالقيادة هي اختيار الفريق بدقة وشرح الرؤية بوضوح واتخاذ القرار بشجاعة. حملته ليست الشاهد الوحيد على قدرته على القيادة والتنظيم فقد شارك في تأسيس الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان والجمعية الطبية الإسلامية فضلا عن لجنة الإغاثة الإنسانية والمشاركة في المبادرات الوطنية والقومية.

١٢- ثباته الانفعالي:

إن موقفه مع السادات دليل شجاعة ولكن ليس هذا ما يعجبني بالدرجة الأولى ولكنه ثباته رغم صعوبة الموقف ثم تكرر ذلك في مواقف عدة ومن المعروف أن الثبات الإنفعالي يتطور مع الزمن وليس العكس. وهذه صفة لازمة لرئيس الجمهورية.

١٣- تاريخه النضالي الوطني:

ولا أحتاج أن أفصل في هذه النقطة فتاريخه معروف.

رد الشبهات:

١- في شبابه كان يقبل بالعنف وسيلة للتغيير السياسي:

لا يمكن أن نتحدث في هذه النقطة إلا في سياق التاريخ المصري ففي تاريخها الحديث نماذج لوطنيين ليس فقط آمنوا بالعنف وسيلة للتغيير بل مارسوه. أنور السادات قتل أحد الوزراء لأنه كان خائنا وسجن بسبب ذلك وعبد الناصر قام بانقلاب عسكري كان يعلم أنه قد يدفعه لاستخدام السلاح والفضل في حقن الدماء يعود للملك فاروق الذي تنازل عن العرش دون مقاومة. فاستخدام العنف في التغيير كان مقبولا في الساحة الوطنية المصرية. أبو الفتوح على العكس لم يستخدم العنف يوما ورفض تماماً أن تتورط الحركة الطلابية في أي عنف وتخلى تماماً عن فكرة أن عنف له مكان في العمل الوطني بل وقاوم هذه الفكرة بعد ذلك ولأعوام طويلة. إن رجلاً يتطور فكره في اتجاه واحد دون تراجع على مدار عدة عقود لا يمكن أن يتراجع الآن.

٢- الإخواني يظل إخواني طول عمره:

هذه الفكرة نشأت بسبب تحجيم نظام مبارك للعمل العام ولذلك فكل من خرج من الإخوان ظل قريبا منهم ولم يستطع الخروج عن دائرتهم. ولكن هذا غير صحيح بعد الثورة وقد أثبت أبو الفتوح أنه قادر على العمل بدون الإخوان. هو لم يتنكر لأفكاره ولكنه كان دائماً يغرد خارج السرب. وسيطرة مجموعة تهتم بالتنظيم أكثر من الفكرة على قيادة الإخوان ستجعل الفجوة بين التنظيم و فكر أبو الفتوح كبيرة جداً. إن فكرة أن الإخواني يظل إخواني انهارت وذهبت بلا رجعة.

٣- يعترف بإسرائيل:

هذه نكتة بايخة. لقد قدم فريق أبو الفتوح الدليل على فبركة الڤيديو بنشر الڤيديو الأصلي وشرح كيف تم تركيب الكلام. ان كلامه الأصلي إما عن مصر وليس فلسطين وإما رفضا لفكرة الاعتراف ولكن يقتطع الكلام فيظهر أنه رأيه وليس رأياً يرفضه. ويصدق كلامي مجمل أعماله على مدار عقود.

لكل هذه الأسباب أعطيت صوتي لأبو الفتوح. اللهم هيئ لمصر أمر رشد يعز فيه أهل العدل ويذل فيه أهل الظلم.